شهد الأسبوع الماضى ميلاد حزبين جديدين، حزب «الدستور» وحزب «مصر».. هناك عاملان مشتركان بين الحزبين، أولهما أن الحزبين قائمان على عضوية غالبة من الشباب، والثانى أن كلا من الحزبين ترأسه شخصية بارزة لها جمهور عريض بين المصريين، «الدستور» يرأسه الدكتور محمد البرادعى، و«مصر» يرأسه الداعية عمرو خالد.. مع ذلك هناك فارقان واضحان بين الحزبين، «الدستور» مهموم أساسا بالشأن السياسى وله موقف حاد إزاء الإخوان المسلمين، أما «مصر» فيركز فى المقام الأول على أنشطة التنمية ويتخذ موقفا لينا إزاء الجماعة «الإخوان ظلموا كثيرا ومن ذاق الظلم عرف معنى العدل»..
الحزبان مرشحان للانضمام إلى تحالفات أكبر.. الأرجح أن ينضوى حزب «الدستور» مع «الديمقراطى الاجتماعى» وعدد من القوى الاشتراكية تحت مظلة «التيار الشعبى»، أما حزب «مصر» فلم يرشح عن حفل تدشينه أمس الأول أى إشارات إلى الاتجاه الذى سيتخذه، وإن لم يكن مستبعدا أن يجتذبه تحالف «مصر القوية» الذى يقوده الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، والمقرر أن يضم أيضا أحزاب «الوسط» و«الحضارة» وغيرها من الأحزاب الوسطية ذات النكهة الإسلامية.. هناك أكثر من خيار آخر مفتوح أمام الحزب..
ولد التيار الشعبى على يد حمدين صباحى يوم الجمعة الماضى فى تجمع حاشد لم يشهده ميدان عابدين منذ ميلاد ثورة 23 يوليو.. وفى اليوم ذاته وقعت وثيقة إطلاق تحالف «الأمة المصرية» بعد مفاوضات طالت بين قطبيه الرئيسيين، حزب «الوفد» وحزب «المؤتمر المصرى» الذى يتزعمه عمرو موسى.. على هذا النحو يستعيد المشهد السياسى فى مصر خريطة تكاد تكون مطابقة لخريطته التى كانت قائمة أيام الانتخابات الرئاسية الماضية، يخوض بها انتخابات البرلمان القادم «بافتراض أن هذه الانتخابات ستضم مجلس الشورى أيضا».. الاستثناء الوحيد هو الدكتور مرسى الذى لن نراه على خشبة المسرح بعد أن أصبح رئيسا لكل المصريين، وإن كان موقعه الرئاسى سيعطى زخما جديدا لجماعة الإخوان.. الدكتور البرادعى سيفضّـل، فى ظنى، التخلى عن موقع الصدارة مكتفيا بدوره كأب روحى، خاصة أنه أعلن فى الأسبوع الماضى أنه يقبل رئاسه حزب «الدستور» لدورة واحدة يتولى بعدها الشباب أعمال الحزب التنظيمية وقيادته..
فى الانتخابات المقبلة إذن سنرى مرة أخرى حمدين وأبوالفتوح وموسى، وإلى جانبهم تيار الإسلام السياسى، الذى لم يتأكد بعد ما إذا كان قادرا على خوض الانتخابات فى تكتل واحد بعد الاحتكاكات التى حدثت بين الإخوان والسلفيين منذ تولت الجماعة الرئاسة.. أما الفريق شفيق فالأرجح أنه سيغيب عن المشهد مفضلا الهروب فى الإمارات بعد تهم الفساد التى وجهت إليه، وبالتالى فلن يكون لحزبه المرتقب المسمى «الحركة الوطنية المصرية» وزن يعتد به، خاصة أن النائب محمد أبوحامد الذى يتصدر صفوف الحزب فقد ظله نتيجة لمواقفه الملتبسة.. المؤهل الآن لشغل مكان الفريق شفيق هم نواب الحزب الوطنى السابقون الذين شكلوا تحالفا باسم «تحالف نواب الشعب» يضم 120 نائبا منهم، وإن كان بعض هؤلاء يميلون إلى الالتفاف حول عمرو موسى والتقرب من «الأمة المصرية».
عدد من التحالفات الجديدة تبنى وجودها أو ترسم خططها، سرا أو علانية، على أساس مناهضة الإخوان المسلمين.. ورغم أن الجماعة تمثل النقيض الأيديولوجى لبعض هذه التحالفات، ورغم أن سياساتها وسلوكها بعد أن أصبحت فى السلطة تستفز معظمها، إلاّ أن أى قوة سياسية لا يمكنها أن تقوم على مجرد عدائها لقوة أخرى.. الإخوان أو غيرهم خصوم سياسيون، نعم، لكننا مهما بلغت حدة الخلاف لا يمكننا أن نضعهم فى خانة الأعداء حتى لو كان بعضهم يرمى إلى نقل المعركة الانتخابية إلى هذا المستوى.. من هنا لم أستسغ كثيرا النبرة التى كادت تقترب من سباب الإخوان فى بعض الكلمات التى ألقيت على منصة تدشين «التيار الشعبى» أمس الأول، خاصة أن التيار لديه قاعدة قوية تعتمد على البرنامج وعلى الروح التى تحقق أهداف ثورة يناير، وبالذات فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية.
رغم ما يشاع عن تراجع شعبية تيار الإسلام السياسى، لن تتمكن التيارات المسماة «المدنية» من أن تتفوق عليه سوى بالوصول إلى الجماهير.. هذا هو التحدى الأكبر أمامها.. وهو فى الوقت ذاته مهمة معقدة، خاصة أن معظم هذه التيارات لاتزال ناشئة، ثم إن الانتخابات لم يتبق عليها سوى شهور معدودة.. فى هذه الفترة بالغة القصر تحتاج هذه التيارات إلى وضع برامج جاذبة للناخبين، وتصميم أنشطة إنمائية تطوعية فى أنحاء القطر، وحشد أعضاء بمئات الألوف، وإقامة مقار لا تستثنى المراكز والقرى والأماكن النائية.. وكل هذا يحتاج تمويلا بالملايين.. فى سابقة هى الأولى من نوعها، وجد ضيوف المؤتمر العام الأول للحزب «الديمقراطى الاجتماعى المصرى» بين أيديهم أوراق ميزانية الحزب التى كشفت أن الميزانية التى أنفقت على الانتخابات البرلمانية الماضية تربو على الخمسة ملايين من الجنيهات، فما بالكم بما سوف تحتاجه الانتخابات القادمة لكل هذه التحالفات الجديدة، وهل يمكن أن تضاهى الميزانية الخفية للإخوان؟
تعـوّل التحـالفات الجديدة على الشخصيات البارزة التى تصدرت واجهاتها ظنا منها أن هذه الشخصيات ستعين فى حملة التبرعات، وتستقطب المزيد من الأعضاء، وربما تفيد فى معركة الانتخابات إما بالترشح على مقاعد البرلمان وإما بجذب أصوات الناخبين.. ظنى أن هذه الرموز لن تحقق الآمال العريضة المعلقة عليها لأن الكثير منها يدور فى فلك العاصمة واستديوهاتها، كما أن معظمها عازف عن تحمل مسؤوليات جديدة إما بسبب التقدم فى العمر، أو التعفف، أو الشبع.. العبء الأكبر فى قيام التحالفات الجديدة والمسؤولية العملية سوف يقعان على عاتق الشباب الذى لا يزال يلهبه الحماس لتحقيق أهداف الثورة رغم كل إحباطات الشهور العشرين الماضية.
سيطالب هذا الشباب، على وجه خاص، زعماءه بالاصطفاف معا لخوض الانتخابات البرلمانية حتى لا تهزم القوى السياسية المدنية كما هزمت فى الانتخابات الرئاسية.. بشجاعة ملحوظة اعتذر حمدين صباحى لمؤيديه الذين تجمعوا حوله فى ميدان عابدين عن الانشقاق الذى حدث بينه وبين د. عبدالمنعم أبوالفتوح فى تلك الانتخابات.. أبوالفتوح لم يعتذر حتى الآن.. والبرادعى لم يفصح بعد عن موقفه إزاء الآخرين بشكل واضح.
قلت إن خريطة المشهد السياسى الآن تكاد تكون مطابقة لخريطته أيام الانتخابات الرئاسية، ولكن أحدا لا يستطيع أن يجزم إذا كانت نتائجها ستكون هى الأخرى كذلك، خاصة أن الأمر لن يتعلق بحشد الأصوات فقط، وإنما يتعلق أساساً بانتقاء مرشحين يمكنهم أن ينالوا ثقة الناخبين فى دوائرهم، ويتعلق باتفاق أطراف التحالفات المختلفة على هؤلاء المرشحين دون التفات إلى الحساسيات والمحاصصات الحزبية..
0 التعليقات: