بقلم / زياد حافظ
أمين عام المنتدى القومي العربي
من يقرأ الصحافة الغربية وخاصة الأميركية أو البريطانية أو الفرنسية، أو من يستمع إلى وسائل الإعلام المرئية في تلك الدول يخرج بانطباع أنّ الغرب قد انتصر بالضربة القاضية على روسيا، وأنّ حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبحت «أيامه معدودة»، تماماً كما كانت التوقعات والتنبّؤات بالنسبة إلى الرئيس السوري بشار الأسد! ويسترسل الإعلام الغربي عبر أقلام تُعتبر مرموقة المقام والعلم والفهم في إعطاء المؤشرات بل الدلائل القطعية على انهيار روسيا بسبب تدهور أسعار النفط وبسبب التراجع الكبير للروبل الروسي وبسبب طبعاً العقوبات الاقتصادية المفروضة والحظر وتجميد أموال المقرّبين من الرئيس الروسي لعلّ وعسى أن ينقلبوا في المستقبل القريب على الرئيس بوتين. هذا باختصار جوهر ومتن الخطاب السياسي الغربي الذي يتمّ ترويجه بشكل منهجي وعلى إيقاع رغبات البيت الأبيض.
في المقابل لما يمكن تسميته بالإعلام المهيمن أو المركزي في دول الغرب هناك الإعلام البديل في تلك البلاد الذي يعطي صورة مختلفة عن تلك التي يعطيها الإعلام المهيمن.
أمين عام المنتدى القومي العربي
من يقرأ الصحافة الغربية وخاصة الأميركية أو البريطانية أو الفرنسية، أو من يستمع إلى وسائل الإعلام المرئية في تلك الدول يخرج بانطباع أنّ الغرب قد انتصر بالضربة القاضية على روسيا، وأنّ حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبحت «أيامه معدودة»، تماماً كما كانت التوقعات والتنبّؤات بالنسبة إلى الرئيس السوري بشار الأسد! ويسترسل الإعلام الغربي عبر أقلام تُعتبر مرموقة المقام والعلم والفهم في إعطاء المؤشرات بل الدلائل القطعية على انهيار روسيا بسبب تدهور أسعار النفط وبسبب التراجع الكبير للروبل الروسي وبسبب طبعاً العقوبات الاقتصادية المفروضة والحظر وتجميد أموال المقرّبين من الرئيس الروسي لعلّ وعسى أن ينقلبوا في المستقبل القريب على الرئيس بوتين. هذا باختصار جوهر ومتن الخطاب السياسي الغربي الذي يتمّ ترويجه بشكل منهجي وعلى إيقاع رغبات البيت الأبيض.
في المقابل لما يمكن تسميته بالإعلام المهيمن أو المركزي في دول الغرب هناك الإعلام البديل في تلك البلاد الذي يعطي صورة مختلفة عن تلك التي يعطيها الإعلام المهيمن.
ولكن أهمّ من كل ذلك هو الإعلام الآسيوي والروسي وإعلام دول «بريكس» الأخرى الذي ينقل بشكل أدقّ واقع التطوّرات السياسية بما فيه من إيجابيات وسلبيات لسياسات تلك الدول وخاصة لروسيا والصين.
آن الأوان للنخب العربية أن تقرأ وتسمع وتنظر إلى مصادر أخرى غير المصادر الغربية التي أصبحت مصداقيتها في الحضيض.
فعلى سبيل المثال نقلت وسائل الإعلام الأميركية من صحافة وتلفزيون وقائع ونتائج مؤتمر دول المحيط الهادي الذي عقد في بكين في منتصف شهر تشرين الثاني، ومن بعده قمة دول العشرين في بريسبان في استراليا، بأنها كرّست عزل الرئيس الروسي وانتصار الرئيس الأميركي باراك أوباما على الرئيس الروسي! نلاحظ هنا أنّ في بكين، كان الإنجاز الوحيد للرئيس الأميركي الاتفاق البيئوي مع الصين، وكأنه اختراق كبير، بينما تمّ السكوت عن إخفاق الرئيس الأميركي في الترويج لمعاهدة إنشاء سوق تجاري عابر المحيط ويضمّ 12 دولة فقط مستثنياً كلّ من الصين وروسيا.
في المقابل استطاعت الصين وروسيا ترويج مشروع السوق الآسيوي الذي يضمّ 22 دولة بما فيها الدول المتحالفة تقليدياً مع الولايات المتحدة. ونذكّر باتفاقي الغاز العملاقين بين روسيا والصين واللذين قاربا ما يوازي 700 مليار دولار ما يجعلهما أضخم اتفاقين في العالم! أما في بريسبان فكان اجتماع دول «بريكس» على هامش اجتماع دول العشرين هو الحدث لما تمّ إنجازه من اتفاقيات حول المصرف المزمع إنشاؤه برأسمال مائة مليار دولار، والأهمّ من ذلك كله صندوق نقد دولي يمهّد لنظام مدفوعات دولية مستقلّ عن النظام الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة عبر صندوق النقد الدولي ومؤسسات دولية أخرى.
القارئ العربي يعرف من هو توماس فريدمان أو دافيد اغناسيوس أو بول كروغمان أو شارل كروثهامر أو جورج ويل وهم من كبار المعلّقين في الصحف والوسائل الإعلامية في الولايات المتحدة. ولكن في المقابل لا يعرف من هم المعلّقون الروس أو الهنود أو الصينيين أو من دول أميركا اللاتينية. من يقرأ بيبي اسكوبار أو م.ك. بهدراكومار أو ديمتري كالينيشنكو أو نيكولاي ستاريكوف؟ هل يعلم القارئ العربي من هو ألكسندر دوغين وما هو دوره في صنع القرار في روسيا؟ أي بمعنى آخر نعرف من هو في الغرب ومن يقول ماذا، بينما نجهل بشكل واضح من هم اللاعبون في الأروقة السياسية في روسيا ومن هم المعلّقون حول ما يحصل. وينجرّ أيضاً الحديث عن كبار المعلّقين الآسيويين كسفير الهند السابق لطهران وأنقرة والذي خدم أيضاً في السفارة الهندية في روسيا، أي م.ك. بهدراكومار. من يقرأ صحيفة «آسيا تايمز» وهي من أرقى الصحف الإلكترونية الآسيوية والتي تستقطب العديد من المعلّقين الجيوسياسيين الآسيويين والأوروبيين ومن أميركا اللاتينية كبيبي اسكوبار يجد العديد من المعلومات المغيّبة في الإعلام الغربي، ومن التحليلات الموضوعية للواقع الإقليمي والدولي. فالقارئ العربي الذي يقرأ ويتابع مقالات وتعليقات من ذكرناهم وهم فقط على سبيل المثال وليس الحصر، يخرج برؤية مختلفة عن مسار الأمور ويصبح المشهد الدولي مختلفاً كلّياً عما يرسمه الإعلام الغربي. ونضيف أيضاً محطات كـ»روسيا اليوم» و«صوت روسيا» اللتين كانتا وما زالتا أكثر دقة من محطات الـ«سي ان ان» أو الـ«بي بي سي» او «فرنسا 24 «على سبيل المثال.
فالمعلومات التي تنقلها المحطات الروسية لا تنقلها المحطات الغربية، خاصة وقائع المعارك في أوكرانيا. كما أنها لا تنقل وقائع المحادثات والمؤتمرات التي تأتي بقرارات ليست لمصلحة الدول الغربية كما ذكرنا أعلاه في شأن مؤتمر بكين وبريسبان. كما نشير إلى طريقة تعاطي الإعلام الغربي بحادثة إسقاط الطائرة المقاتلة الأردنية في العراق حيث روّجت، بناء على توجيهات الإدارة الأميركية، أنّ سقوط الطائرة يعود إلى «عطل» في المحرّك. في المقابل استطاعت محطة «روسيا اليوم» أن تنقل وقائع ومعلومات عن إسقاط الطائرة بسلاح مضاد للطائرات المتوفر عند مقاتلي «الدولة الإسلامية»، وذلك بناء على تصريحات طيّار أردني زميل أبلغه الطائر المأسور أنّ طائرته أصيبت من قبل المضادات الأرضية. هذا نموذج من بين نماذج عديدة عن التضليل الإعلامي الذي إما ينقل معلومات كاذبة أو يغيّب معلومات ووقائع مخالفة كلّيا للصورة التي يُراد رسمها لدى الرأي العام الغربي.
نذكر أيضاً فضيحة اختراق آلات الحاسوب لشركة «سوني» اليابانية من قبل مجهولين وزّعوا عبر الشبكة العنكبوتية وقائع فيلم ساخر يروي كيف يتمّ التخطيط لقتل رئيس كوريا الشمالية. هذا الاختراق أدّى إلى سحب شركة «سوني» بشكل موقت ترويج الفيلم المذكور بينما سارع البيت الأبيض إلى اتهام كوريا الشمالية بذلك العمل والدعوة إلى المزيد من العقوبات ضدّ الدولة التي «لا تحترم حرّية التعبير»! نتساءل هنا ماذا قد تكون ردّة الفعل إذا ما تصوير اغتيال قائد صهيوني؟ فهل يكون ذلك من «حرية التعبير»؟ وإذا تبيّن أن من وراء الاعتداء على شركة «سوني» هو من داخل الشركة. لم يغيّر البيت الأبيض موقفه بل ساعده الإعلام الأميركي باتهام كوريا الشمالية باستئجار خدمات مرتزقين من الخارج! حتى بيانات مكتب التحقيق الاتحادي لم تستطع أن تلصق الاتهام بكوريا الشمالية لغياب أيّ دليل على ذلك بينما الإعلام الأميركي، وخاصة شبكات تلفزيونية مثل «فوكس نيوز» أو «سي ان ان» استفاضت في التركيز على مسؤولية كوريا الشمالية.
نشير هنا إلى موقع هفينغتون بوست، وهو من أهمّ المواقع الإلكترونية الإعلامية في الولايات المتحدة، أجرى عدّة تحقيقات حول عدم الدّقة في الإعلام الأميركي سواء كانت المواضيع تابعة للسياسة الخارجية أو لقضايا داخلية أميركية. ففي 14 شهر تشرين الثاني من العام الماضي نشر الموقع سلسلة تحقيقات حول ارتباطات مذيعي شبكة «سي ان ان» بالبيت الأبيض وبالتالي الترويج المبطن أو الصريح لسياسات الإدارة الأميركية. ومن ضمن التحقيقات المنشورة تحقيق حول تجاهل برامج الحوارات السياسية توك شوز للمعلومات المغلوطة حول الحرب على العراق كما في ما بعد الادّعاءات حول السلاح الكيميائي في سورية والدعوة إلى الحرب عليها. من جهة أخرى أشارت تقارير حول الميل اليميني لضيوف تلك البرامج مما جعل المشاهد يتعرّف إلى وجهة نظر واحدة فقط.
في هذا السياق نذكّر أنّ 90 بالمائة من وسائل الإعلام الأميركية من صحف ومجلاّت ومحطّات راديو وتلفزيون وشبكات إعلامية ومعظم استديوات السينما مملوكة فقط من ست شركات، وهي شركة كومكاست، ووالت ديزني، وفياكوم، ونيوز كورب لروبرت مردوخ، وتايم وارنر، و«سي بي اس» التي تملكها شركة وستينغهاوس التي تصنّع المحركات للطائرات النفّاثة والمفعّلات النووية. التمركز في ملكية وسائل الإعلام جعل من الإعلام سلطة فعلية تطيح بقيادات وترفع قيادات. وواردات هذه الشركات تتجاوز 275 مليار دولار لعام 2010 بينما عدد المسؤولين التنفيذيين الذين يرسمون سياسات تلك الشركات لا يتجاوز 280 شخصاً فيصبح كلّ مسؤول في تلك الشركات يوجّه إذا جاز الكلام حوالي 900 ألف مواطن أميركي فيا يقرأه ويفكّر به! وبما أنّ الشركات المالكة لوسائل الإعلام مؤسسات خدماتية ومالية، وبالتالي قريبة جداً من اللوبي الصهيوني بسبب هيمنة المسؤولين فيها من الصهاينة، وبما أنّ الشركات الصناعية التي تملك أو ملكت وسيلة إعلامية كشركة «وستنغهاوس» التي تملك «سي بي اس» أو كشركة «جنرال الكتريك» التي كانت تملك شبكة «ان بي سي» حتى عام 2013 حيث حلّت مكانها شركة «كومكاست»، فيصبح التحالف الإعلامي بين المؤسسة المالية والمجمع العسكري الصناعي واللوبي الصهيوني هو من يقرّر ماذا يجب أن يعرف المواطن الأميركي وبماذا يجب أن يفكّر. لذلك من يقرأ «واشنطن بوست» أو «وول ستريت جورنال» أو «نيويورك تايمز» في الولايات المتحدة أو «فايننشال تايمز» البريطانية المملوكة من مجموعة روبرت مردوخ أو «لو فيغارو» المملوكة من مجموعة «هرسانت» يقرأ رأياً واحداً في معظم المواضيع. والذي يشاهد شبكات التلفزيون الأميركية من «سي ان ان» إلى «ان بي سي» يسمع رأياً واحداً. وفي قضايا الوطن العربي وخاصة القضية العربية في فلسطين فبعض الصحف العبرية أكثر دقة وموضوعية مما نقرأه في «واشنطن بوست» أو «لو فيغارو» أو «وول ستريت جورنال»! في المقابل وللإنصاف هناك بعض المؤسسات الناشطة التي تسائل وسائل الاعلام الأميركية كمؤسسة «فير» ولكن مصداقيتها مطعونة من قبل النخب الحاكمة التي تتهمها بـ«اليسار». واليسار شتيمة قاتلة في القاموس السياسي الأميركي. لا ننسى كيف استقبل الكونغرس الأميركي إجراءات إعادة تمويل المؤسسات المالية في مطلع عام 2009 إثر الأزمة المالية التي كادت تطيح بالاقتصاد والنظام المالي الأميركي. اعتبر الكونغرس الأميركي الذي كان وما زال يسيطر عليه الحزب الجمهوري بأنّ تلك الإجراءات إجراءات اشتراكية!
الهيمنة على الرأي العام الأميركي عبر وسائل الإعلام المملوكة من التحالف المذكور تطال أيضاً القضايا الداخلية حيث يتمّ تغييب الملفات الساخنة. لذلك نرى غياب المعلومات والتقارير حول حالة الفقر في الولايات المتحدة التي طالت 17 بالمائة من السكان أي فوق الخمسين مليون مواطن أميركي! كما نعتبر أنّ فشل حركة مقاومة هيمنة الواحد في المائة من الأميركيين على ثروات البلاد فشلت بسبب التغييب الإعلامي. انتصرت البيوت المالية بشكل واضح على فرض وجهة نظرها على الإعلام وبالتالي لم تتحوّل تلك المقاومة إلى حراك شعبي واسع. طبعاً هذا لا يعني نهاية الموضوع فتلك الحركة ما زالت ناشطة إعلامياً ولكن عبر الشبكة العنكبوتية والتواصل الاجتماعي.
وإذا انتقلنا إلى الاعلام الأكاديمي أو الشبه الأكاديمي في القضايا السياسية والاجتماعية نرى مجلّات مرموقة كمجلّة «فورين افيرز» أو «فورين بولسي» المملوكة إما من الطبقة الحاكمة كمجلّة «فورين افيرز» التي يملكها مجلس العلاقات الخارجية المكوّن من اكاديميين ومسؤولين سابقين ورموز المجمع العسكري الصناعي والمالي، أو مجلّة «فورين بولسي» التي يملكها رجل الأعمال الأسترالي الأميركي الصهيوني الميول روبرت مردوخ، نرى تلك المجلاّت على سبيل المثال وليس الحصر تقدّم تحليلات ومقاربات تدعم مصالح محدّدة داخل الإدارة و/أو داخل الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة. وينجرّ ذلك الأمر على بعض المدوّنات التي أصبحت مصدراً للمعلومات والتحليلات عند العديد من النخب العربية كموقع «استراتفور» القريب من دوائر الاستخبارات المركزية. فهذه الوسائل لم تكن صائبة في العديد من الملفّات كملف الأزمة السورية أو الأزمة الأوكرانية أو تحرّكات الصين وروسيا وإيران أو حتى المقاربات عن الحراك العربي خلال السنوات الماضية. ولا يغيب عن بالنا أنّ تلك المجلاّت والمواقع كانت مسارح لحرب نفسية على النخب العربية «مبشّرة» بانهيار جبهة المقاومة والممانعة وبعودة الردع الصهيوني. لا ننسى «الخطط العسكرية» ولا «المشاريع التقسيمية» التي روّجتها بشكل أو بآخر تحت عنوان «الموضوعية» و«العلمية» الخ… ولكن، ما زالت النخب العربية تقرأ تلك التحليلات وتبني عليها وكأنها يقين الحقيقة!
آن الأوان للنخب العربية أن تقرأ وتسمع وتنظر إلى مصادر أخرى غير المصادر الغربية التي أصبحت مصداقيتها في الحضيض.
فعلى سبيل المثال نقلت وسائل الإعلام الأميركية من صحافة وتلفزيون وقائع ونتائج مؤتمر دول المحيط الهادي الذي عقد في بكين في منتصف شهر تشرين الثاني، ومن بعده قمة دول العشرين في بريسبان في استراليا، بأنها كرّست عزل الرئيس الروسي وانتصار الرئيس الأميركي باراك أوباما على الرئيس الروسي! نلاحظ هنا أنّ في بكين، كان الإنجاز الوحيد للرئيس الأميركي الاتفاق البيئوي مع الصين، وكأنه اختراق كبير، بينما تمّ السكوت عن إخفاق الرئيس الأميركي في الترويج لمعاهدة إنشاء سوق تجاري عابر المحيط ويضمّ 12 دولة فقط مستثنياً كلّ من الصين وروسيا.
في المقابل استطاعت الصين وروسيا ترويج مشروع السوق الآسيوي الذي يضمّ 22 دولة بما فيها الدول المتحالفة تقليدياً مع الولايات المتحدة. ونذكّر باتفاقي الغاز العملاقين بين روسيا والصين واللذين قاربا ما يوازي 700 مليار دولار ما يجعلهما أضخم اتفاقين في العالم! أما في بريسبان فكان اجتماع دول «بريكس» على هامش اجتماع دول العشرين هو الحدث لما تمّ إنجازه من اتفاقيات حول المصرف المزمع إنشاؤه برأسمال مائة مليار دولار، والأهمّ من ذلك كله صندوق نقد دولي يمهّد لنظام مدفوعات دولية مستقلّ عن النظام الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة عبر صندوق النقد الدولي ومؤسسات دولية أخرى.
القارئ العربي يعرف من هو توماس فريدمان أو دافيد اغناسيوس أو بول كروغمان أو شارل كروثهامر أو جورج ويل وهم من كبار المعلّقين في الصحف والوسائل الإعلامية في الولايات المتحدة. ولكن في المقابل لا يعرف من هم المعلّقون الروس أو الهنود أو الصينيين أو من دول أميركا اللاتينية. من يقرأ بيبي اسكوبار أو م.ك. بهدراكومار أو ديمتري كالينيشنكو أو نيكولاي ستاريكوف؟ هل يعلم القارئ العربي من هو ألكسندر دوغين وما هو دوره في صنع القرار في روسيا؟ أي بمعنى آخر نعرف من هو في الغرب ومن يقول ماذا، بينما نجهل بشكل واضح من هم اللاعبون في الأروقة السياسية في روسيا ومن هم المعلّقون حول ما يحصل. وينجرّ أيضاً الحديث عن كبار المعلّقين الآسيويين كسفير الهند السابق لطهران وأنقرة والذي خدم أيضاً في السفارة الهندية في روسيا، أي م.ك. بهدراكومار. من يقرأ صحيفة «آسيا تايمز» وهي من أرقى الصحف الإلكترونية الآسيوية والتي تستقطب العديد من المعلّقين الجيوسياسيين الآسيويين والأوروبيين ومن أميركا اللاتينية كبيبي اسكوبار يجد العديد من المعلومات المغيّبة في الإعلام الغربي، ومن التحليلات الموضوعية للواقع الإقليمي والدولي. فالقارئ العربي الذي يقرأ ويتابع مقالات وتعليقات من ذكرناهم وهم فقط على سبيل المثال وليس الحصر، يخرج برؤية مختلفة عن مسار الأمور ويصبح المشهد الدولي مختلفاً كلّياً عما يرسمه الإعلام الغربي. ونضيف أيضاً محطات كـ»روسيا اليوم» و«صوت روسيا» اللتين كانتا وما زالتا أكثر دقة من محطات الـ«سي ان ان» أو الـ«بي بي سي» او «فرنسا 24 «على سبيل المثال.
فالمعلومات التي تنقلها المحطات الروسية لا تنقلها المحطات الغربية، خاصة وقائع المعارك في أوكرانيا. كما أنها لا تنقل وقائع المحادثات والمؤتمرات التي تأتي بقرارات ليست لمصلحة الدول الغربية كما ذكرنا أعلاه في شأن مؤتمر بكين وبريسبان. كما نشير إلى طريقة تعاطي الإعلام الغربي بحادثة إسقاط الطائرة المقاتلة الأردنية في العراق حيث روّجت، بناء على توجيهات الإدارة الأميركية، أنّ سقوط الطائرة يعود إلى «عطل» في المحرّك. في المقابل استطاعت محطة «روسيا اليوم» أن تنقل وقائع ومعلومات عن إسقاط الطائرة بسلاح مضاد للطائرات المتوفر عند مقاتلي «الدولة الإسلامية»، وذلك بناء على تصريحات طيّار أردني زميل أبلغه الطائر المأسور أنّ طائرته أصيبت من قبل المضادات الأرضية. هذا نموذج من بين نماذج عديدة عن التضليل الإعلامي الذي إما ينقل معلومات كاذبة أو يغيّب معلومات ووقائع مخالفة كلّيا للصورة التي يُراد رسمها لدى الرأي العام الغربي.
نذكر أيضاً فضيحة اختراق آلات الحاسوب لشركة «سوني» اليابانية من قبل مجهولين وزّعوا عبر الشبكة العنكبوتية وقائع فيلم ساخر يروي كيف يتمّ التخطيط لقتل رئيس كوريا الشمالية. هذا الاختراق أدّى إلى سحب شركة «سوني» بشكل موقت ترويج الفيلم المذكور بينما سارع البيت الأبيض إلى اتهام كوريا الشمالية بذلك العمل والدعوة إلى المزيد من العقوبات ضدّ الدولة التي «لا تحترم حرّية التعبير»! نتساءل هنا ماذا قد تكون ردّة الفعل إذا ما تصوير اغتيال قائد صهيوني؟ فهل يكون ذلك من «حرية التعبير»؟ وإذا تبيّن أن من وراء الاعتداء على شركة «سوني» هو من داخل الشركة. لم يغيّر البيت الأبيض موقفه بل ساعده الإعلام الأميركي باتهام كوريا الشمالية باستئجار خدمات مرتزقين من الخارج! حتى بيانات مكتب التحقيق الاتحادي لم تستطع أن تلصق الاتهام بكوريا الشمالية لغياب أيّ دليل على ذلك بينما الإعلام الأميركي، وخاصة شبكات تلفزيونية مثل «فوكس نيوز» أو «سي ان ان» استفاضت في التركيز على مسؤولية كوريا الشمالية.
نشير هنا إلى موقع هفينغتون بوست، وهو من أهمّ المواقع الإلكترونية الإعلامية في الولايات المتحدة، أجرى عدّة تحقيقات حول عدم الدّقة في الإعلام الأميركي سواء كانت المواضيع تابعة للسياسة الخارجية أو لقضايا داخلية أميركية. ففي 14 شهر تشرين الثاني من العام الماضي نشر الموقع سلسلة تحقيقات حول ارتباطات مذيعي شبكة «سي ان ان» بالبيت الأبيض وبالتالي الترويج المبطن أو الصريح لسياسات الإدارة الأميركية. ومن ضمن التحقيقات المنشورة تحقيق حول تجاهل برامج الحوارات السياسية توك شوز للمعلومات المغلوطة حول الحرب على العراق كما في ما بعد الادّعاءات حول السلاح الكيميائي في سورية والدعوة إلى الحرب عليها. من جهة أخرى أشارت تقارير حول الميل اليميني لضيوف تلك البرامج مما جعل المشاهد يتعرّف إلى وجهة نظر واحدة فقط.
في هذا السياق نذكّر أنّ 90 بالمائة من وسائل الإعلام الأميركية من صحف ومجلاّت ومحطّات راديو وتلفزيون وشبكات إعلامية ومعظم استديوات السينما مملوكة فقط من ست شركات، وهي شركة كومكاست، ووالت ديزني، وفياكوم، ونيوز كورب لروبرت مردوخ، وتايم وارنر، و«سي بي اس» التي تملكها شركة وستينغهاوس التي تصنّع المحركات للطائرات النفّاثة والمفعّلات النووية. التمركز في ملكية وسائل الإعلام جعل من الإعلام سلطة فعلية تطيح بقيادات وترفع قيادات. وواردات هذه الشركات تتجاوز 275 مليار دولار لعام 2010 بينما عدد المسؤولين التنفيذيين الذين يرسمون سياسات تلك الشركات لا يتجاوز 280 شخصاً فيصبح كلّ مسؤول في تلك الشركات يوجّه إذا جاز الكلام حوالي 900 ألف مواطن أميركي فيا يقرأه ويفكّر به! وبما أنّ الشركات المالكة لوسائل الإعلام مؤسسات خدماتية ومالية، وبالتالي قريبة جداً من اللوبي الصهيوني بسبب هيمنة المسؤولين فيها من الصهاينة، وبما أنّ الشركات الصناعية التي تملك أو ملكت وسيلة إعلامية كشركة «وستنغهاوس» التي تملك «سي بي اس» أو كشركة «جنرال الكتريك» التي كانت تملك شبكة «ان بي سي» حتى عام 2013 حيث حلّت مكانها شركة «كومكاست»، فيصبح التحالف الإعلامي بين المؤسسة المالية والمجمع العسكري الصناعي واللوبي الصهيوني هو من يقرّر ماذا يجب أن يعرف المواطن الأميركي وبماذا يجب أن يفكّر. لذلك من يقرأ «واشنطن بوست» أو «وول ستريت جورنال» أو «نيويورك تايمز» في الولايات المتحدة أو «فايننشال تايمز» البريطانية المملوكة من مجموعة روبرت مردوخ أو «لو فيغارو» المملوكة من مجموعة «هرسانت» يقرأ رأياً واحداً في معظم المواضيع. والذي يشاهد شبكات التلفزيون الأميركية من «سي ان ان» إلى «ان بي سي» يسمع رأياً واحداً. وفي قضايا الوطن العربي وخاصة القضية العربية في فلسطين فبعض الصحف العبرية أكثر دقة وموضوعية مما نقرأه في «واشنطن بوست» أو «لو فيغارو» أو «وول ستريت جورنال»! في المقابل وللإنصاف هناك بعض المؤسسات الناشطة التي تسائل وسائل الاعلام الأميركية كمؤسسة «فير» ولكن مصداقيتها مطعونة من قبل النخب الحاكمة التي تتهمها بـ«اليسار». واليسار شتيمة قاتلة في القاموس السياسي الأميركي. لا ننسى كيف استقبل الكونغرس الأميركي إجراءات إعادة تمويل المؤسسات المالية في مطلع عام 2009 إثر الأزمة المالية التي كادت تطيح بالاقتصاد والنظام المالي الأميركي. اعتبر الكونغرس الأميركي الذي كان وما زال يسيطر عليه الحزب الجمهوري بأنّ تلك الإجراءات إجراءات اشتراكية!
الهيمنة على الرأي العام الأميركي عبر وسائل الإعلام المملوكة من التحالف المذكور تطال أيضاً القضايا الداخلية حيث يتمّ تغييب الملفات الساخنة. لذلك نرى غياب المعلومات والتقارير حول حالة الفقر في الولايات المتحدة التي طالت 17 بالمائة من السكان أي فوق الخمسين مليون مواطن أميركي! كما نعتبر أنّ فشل حركة مقاومة هيمنة الواحد في المائة من الأميركيين على ثروات البلاد فشلت بسبب التغييب الإعلامي. انتصرت البيوت المالية بشكل واضح على فرض وجهة نظرها على الإعلام وبالتالي لم تتحوّل تلك المقاومة إلى حراك شعبي واسع. طبعاً هذا لا يعني نهاية الموضوع فتلك الحركة ما زالت ناشطة إعلامياً ولكن عبر الشبكة العنكبوتية والتواصل الاجتماعي.
وإذا انتقلنا إلى الاعلام الأكاديمي أو الشبه الأكاديمي في القضايا السياسية والاجتماعية نرى مجلّات مرموقة كمجلّة «فورين افيرز» أو «فورين بولسي» المملوكة إما من الطبقة الحاكمة كمجلّة «فورين افيرز» التي يملكها مجلس العلاقات الخارجية المكوّن من اكاديميين ومسؤولين سابقين ورموز المجمع العسكري الصناعي والمالي، أو مجلّة «فورين بولسي» التي يملكها رجل الأعمال الأسترالي الأميركي الصهيوني الميول روبرت مردوخ، نرى تلك المجلاّت على سبيل المثال وليس الحصر تقدّم تحليلات ومقاربات تدعم مصالح محدّدة داخل الإدارة و/أو داخل الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة. وينجرّ ذلك الأمر على بعض المدوّنات التي أصبحت مصدراً للمعلومات والتحليلات عند العديد من النخب العربية كموقع «استراتفور» القريب من دوائر الاستخبارات المركزية. فهذه الوسائل لم تكن صائبة في العديد من الملفّات كملف الأزمة السورية أو الأزمة الأوكرانية أو تحرّكات الصين وروسيا وإيران أو حتى المقاربات عن الحراك العربي خلال السنوات الماضية. ولا يغيب عن بالنا أنّ تلك المجلاّت والمواقع كانت مسارح لحرب نفسية على النخب العربية «مبشّرة» بانهيار جبهة المقاومة والممانعة وبعودة الردع الصهيوني. لا ننسى «الخطط العسكرية» ولا «المشاريع التقسيمية» التي روّجتها بشكل أو بآخر تحت عنوان «الموضوعية» و«العلمية» الخ… ولكن، ما زالت النخب العربية تقرأ تلك التحليلات وتبني عليها وكأنها يقين الحقيقة!
0 التعليقات: